
أخيرًا وَجَدَت الحاجّة أم فاطمة سبيلًا لأداء مراسيم الزيارات التي اعتادت على أدائها منذ صغرها، خصوصًا بعد أن أعياها الكبر والعجز البدني من مواصلة تلك الشعائر التي تبعث في نفسها الراحة والطمأنينة، كما تقول.
والحاجة أم فاطمة التي بلغت عقدها السادس تحرص على أداء زيارة العتبات المقدسة في مدينة كربلاء يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع، مبينةً، "توارثتُ هذا الأمر عن والدتي منذ أن كنت في الخامسة من عمري، ولم أتخلّف عن ذلك أبدًا".
وتستدرك، "مع الأسف انقطعتُ عن الزيارات بعد إصابتي بمرض مزمن وتدهورت صحتي على أثره".
وتضيف أم فاطمة والحسرة بادية بين ثنايا كلماتها، "أصبحت لا أستطيع المشاركة في أداء الزيارات المخصوصة أيضًا بسبب وضعي الصحي".
ويحرص المسلمون الشيعة على أداء الشعائر الدينية بشكل دائم، وتتمثّل بزيارة العتبات المقدسة والمزارات والمقامات الشريفة، لقراءة سور من القرآن الكريم والدعاء قربة إلى الله تعالى، في موروث إسلامي متوارث عن النبي وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وتؤدّى الشعائر الدينية في أيام الزيارات الاعتيادية أو الزيارات المخصوصة، كزيارة العاشر من المحرم الحرام، أو زيارة الأربعين، أو زيارة النصف من شعبان وغيرها من الزيارات.
وتشهد مدينة كربلاء المقدسة على وجه التحديد اكتظاظًا كبيرًا، وتحتضن حشودًا مليونيه في تلك الزيارات، الأمر الذي قد يمثّل صعوبة بالغة لدى بعض العاجزين بدنيا من أداء الشعائر الدينية.
نسائم عاشوراء
الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة، بدورها التفتت إلى معاناة من هم على شاكلة الحاجّة أم فاطمة، عبر إيجاد حلولًا لكلّ من لا يقوى على أداء الزيارة حضوريا.
إذ يشير السيد هاشم الشامي، مسؤول شعبة السادة الخدم، إلى إيجاد حلّ ناجز لتلك الحاجة التي يعاني منها كبار السن والمرضى والعاجزين عن أداء الشعائر.
قائلًا: "تداركت العتبة العباسية المقدسة هذا الأمر والتفتت إلى حاجة من يعجز عن أداء الزيارات حضوريا".
مضيفًا، "أطلقت شعبة السادة الخدم التابعة الى العتبة العباسية المقدسة منصةً إلكترونيةً تساهم في تلبية رغبات من يصعب عليه الزيارة المباركة للمشاهد المشرفة لأهل البيت العصمة ومولانا ابي الفضل العباس عليهم السلام وهو في مساكنهم ومواطنهم".
موضحًا، "منصة نسائم عاشوراء وهي عبارة عن تطبيق يتيح الزيارة بالإنابة لكلّ من هو غير قادر على الحضور وأداء الزيارة.
مشيرًا، " تم تهيّئة جميع الاستعدادات التقنية والفنية لاستقبال طلبات الراغبين بالمشاركة عن طريق الدخول إلى الرابط المنشور على شبكة الكفيل العالمية، وأغلب مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للعتبة العباسية المقدسة".
ربّ ضارة نافعة
وبحسب قول السيد الشامي فإنّ فكرة برنامج نسائم عاشوراء لم تكن وليدة هذه اللحظة، بل مضى عليها عدة سنوات وخصوصا مع تفشّي جائحة كورونا، ولعل تأسيس فكرة الزيارة بالانابة ترجع لأوائل تأسيس شبكة الكفيل العالمية حوالي سنة 2005م.
مبيّنًا، "تسبّبت تلك الجائحة بتوقف حركة الزيارات وشُلّ العالم بأسره، فاستشعرت العتبة المقدسة حجم الحنين الكبير الذي كان يعيشه المؤمنون تجاه زيارة الإمام الحسين -عليه السلام-".
متابعًا، "لم نستطع أن نقف مكتوفي الأيدي، ففكرنا بوسيلة نكون فيها وسطًا بين المشتاق والمزور فكانت الزيارة بالنيابة هي الحلّ الأمثل".
ويتلخّص برنامج نسائم عاشوراء باستقبال طلبات من تتعذّر عليه الزيارة ميدانيا، عبر الاتصال أو المراسلة إلكترونيا، ويكون ذلك بأن يكتب الراغب بالزيارة اسمه في حقول المنصة.
ويلفت مسؤول شعبة السادة الخدم في العتبة العباسية المقدسة، إلى أنّ "البرنامج لا يقتصر على فئة دون غيرها، بل يشمل جميع الراغبين بهذه الخدمة ومن جميع أنحاء العالم.
مؤكّدًا، "الغاية الأساسية هي إيصال بركات الزيارة لمن صعبت عليه، حيث يحدثنا التاريخ عن الإمام الهادي عليه السلام عندما مرض في سامراء انتدب أحد أصحابه المخلصين وأرسله إلى حائر الإمام الحسين عليه السلام؛ كي يدعو له فاستغرب وسأل الإمام عليه السلام، كيف توجهنا إلى الحائر وأنت بمنزلة من في الحائر؟ فأجابه الإمام عليه السلام: إنّ لله مواضع يحب أن يعبد فيها ومن ضمنها حائر الإمام الحسين عليه السلام، وكان الرسول صلى الله عليه واله وسلم أفضل من البيت والحجر وكان يطوف في البيت والحجر، وإنّ لله تعالى بقاعا يحب أن يُدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها.
معلّقًا الشامي على ذلك" إنّ الدعاء عند الإمام الحسين -عليه السلام- مستجاب، ونؤمن أنّ من ينوب عن غيره بالزيارة والدعاء له أجرٌ عظيم لذلك حملنا على عاتقنا هذا الدور".
ولا يقتصر عمل المنصة الإلكترونية على زيارة الإمام الحسين وأخيه ابي الفضل العباس عليهما السلام فقط، وإنّما شمل في بعض السنوات العمرة المفردة في شهر رجب، بالإضافة إلى زيارة جميع مراقد المعصومين داخل العراق وخارجه، وكذلك زيارة مرقد السيدة زينب -عليها السلام-.
السادة الخدم
بدوره يعرب السيد مرتضى ضياء الدين، أحد منتسبي شعبة السادة الخدم عن إحساسه بمسؤولية عظمى كما يصفها لدى أداء الزيارة بالإنابة.
معلقًا، "حين أبدأ الزيارة عن الآخرين، أشعر أنّي لا أمثّل نفسي فقط، بل أحمل أمانة قلب ينتظرني عند باب الضريح" وقد يصل عددهم للمئات يومياً في الأيام العادية.
ويضيف، "شعوري لا يُوصف أحيانًا، أبكي من دون سبب، فقط لأنّني أتصوّر أنّ هناك مريضًا أو أم تناجي أو مغتربا ينتظر هذه اللحظة، أشعر أنني واسطة خير تنفذ طلبات محبي الإمام الحسين وأخيه -عليهما السلام- ".
ويوضح السيد ضياء الدين، "أتهيّأ نفسيًا وروحيا قبل أن أبدأ الزيارة، أقف دقائق للدعاء والنية، وأهيّئ نفسي وكأنّني في زيارةٍ عن أقرب الناس إليّ، هذه ليست مهمة عادية، بل عمل نرجو به القبول عند الله".
وخصصت شعبة السادة عدد من منتسبيها للعمل في برنامج نسائم عاشوراء، تقع على عاتقهم أداء الزيارة بالإنابة في الأيام الاعتيادية بالإضافة إلى الأيام التي تشهد الزيارات المخصوصة.
فيما يشير مسؤول الشعبة السيد الشامي إلى، أنّ "هناك تزايد ملحوظ في عدد الطلبات هذا العام مقارنة بالعام الماضي، مما يراه "دلالة على الثقة التي يوليها الناس للعتبة المقدسة وللبرنامج".
مبينا، "وصلت أعداد طلبات الراغبين بأداء الزيارات نيابة في العام الماضي إلى مليون طلب زيارة".
ارتياح وامتنان
إلى ذلك أشاد عددٌ من مستخدمي برنامج نسائم عاشوراء بما اعتبروه مبادرة تعكس حرص العتبة العباسية المقدسة والعاملين فيها على خدمة محبي أهل البيت -عليهم السلام-.
فيقول الحاج أبو حسين التميمي أحد مواطني مدينة البصرة في العراق: إنّ "الأمل تسلل إلى قلبي من جديد بعد أن أخبرني أحد أقاربي عن برنامج (نسائم عاشوراء) الذي أطلقته العتبة العباسية المقدسة، كونه يتيح أداء الزيارة بالإنابة".
موضحًا، "خيّم عليّ الحزن لعدة أشهر بعد أن أخبرني الطبيب أنني لا أستطيع السفر مما حرمني من زيارة العتبات المقدسة".
ويعلّق الحاج أبو حسين الذي كشف إصابته بوهن في عضلة القلب، "كنت أتمنّى أن أشارك مجددا في المسير إلى كربلاء المقدسة لأداء زيارة الأربعين كما هو الحال في كلّ عام".
ويتابع، "مع الأسف أصبحت عاجزًا حتى عن السفر بوسائط النقل".
مختتما، "كنتُ أقلّد أقاربي والأصدقاء نية الزيارة نيابة عني، ولكنّ هذا البرنامج أزاح عني البحث عمن ينوي الزيارة عن طريق التواصل المباشر مع العتبة العباسية المقدسة".
ويختتم حديثه بعبارات الشكر، "لقد جبروا بخاطري، وأعادوا لي الأمل، وأشعروني بقربي الدائم من الإمام حتى وإن كنتُ بعيدًا جسديا".
من جهته أبدى السيد علي الخالصي المقيم في السويد عن امتنانه أيضا للقائمين على البرنامج، قائلًا: "لا يسعني التعبير عن مدى امتناني لمن يقف وراء هذه الخدمة الجليلة".
ويضيف، "لست وحدي من يستفيد من هذه الخدمة بل هناك المئات من المؤمنين في أوروبا ممن بات يستخدم برنامج نسائم عاشوراء لغرض زيارة المراقد والمقامات المقدسة".
مشيرًا، "هذه الخدمات تعكس بشكل جلّي مدى تفاني خَدَمَة العتبة العباسية المقدسة وحرصهم على رغبات المؤمنين حول العالم وتلبيتها، وتسهيل عباداتهم".