image alt

مواكب حسينية عابرة للقارات

مواكب حسينية عابرة للقارات

من أمريكا وإفريقيا وشبه القارة الهندية


كان حجم الأمل الذي يحدوهم بحجم المخاطر التي تحف بهم، فقافلة الحافلات ستقطع آلاف الأميال من الطريق بدءا من ولاية كراتشي الباكستانية حتى الوصول إلى مدينة كربلاء المقدسة.

تلك المخاطر الأمنية لم تثنِ أفراد الموكب الباكستاني الستين من المضي قدما في سبيل المشاركة في إحياء مناسبتي عاشوراء وزيارة الأربعين، واضعين نصب أعينهم فضل وأهمية تلك المشاركة، وإن كانت سلامتهم على المحك.

وبعد عدة أسابيع متتالية واصل فيها الموكب الباكستاني الليل بالنهار بعزيمة تغلّب فيها على وعورة الطرق الجبلية وحرارة الصحاري اللاهبة، يحط اليوم في مدينة كربلاء المقدسة، رافعا رايته مرفرفة بتسمية الموكب أحباب الحسين عليه السلام.

يقول نوازش رضا مسؤول الموكب: "في كل عام نجتاز هذا الاختبار المصيري غير مبالين بمخاطره، فالطريق إلى الحسين عليه السلام هو ذاته طريق إلى الله سبحانه وتعالى".

مضيفا، "نعلم جيدا أنّ هناك من يتربص بقوافل الزوار وندرك حجم المخاطر، ولكن اللافت للنظر كله أنّ النساء والأطفال لا يقلّون عزما وشجاعة عن الرجال في خوض هذا التحدي".

موضحا، "تخلل الطريق أيضا بعض المشاق المتمثلة بالأعطال التي تصيب بعض الحافلات".

مكملا، "معظم حافلاتنا قديمة الطراز".

معلقا بابتسامة لا تخلو من حسرة بين كلماته، "لكنها تفي بالغرض".

وبحسب مصادر رسمية فإنّ كثيرًا من قوافل الزوار الباكستانيين - خصوصا متوسطي الدخل- ينضمون إلى المواكب البرية لتعذرهم عن تحمل تكاليف السفر جوا من باكستان إلى العراق، مضطرين بذلك مواجهة التحديات الأمنية التي تعترض رحلتهم الطويلة المتمثلة بالجماعات المتطرفة في المناطق الحدودية.

ويشير مسؤول الموكب السيد نوازش شريف، "الكثير من أبناء وطننا في باكستان خصوصا في المناطق الفقيرة من كراتشي لا يملكون تكلفة المجيء إلى كربلاء لذلك نفتح لهم باب التسجيل ضمن الموكب قبل ثلاثة أشهر من زيارة الأربعين، ونجري فرزا دقيقا لضمان ذهاب الأشخاص الأكثر حاجة وفق الضوابط المسموح بها".

مبينا، "الموكب لا يقتصر على الرجال فقط بل يشمل النساء والأطفال ويؤمن لهم احتياجاتهم كافة من الإقامة والمأكل والتنقل من لحضه انطلاقهم وحتى عودتهم إلى ديارهم". 

وكما يبدو فان موكب احباب الحسين بات مساحة نابضة بالحياة الباكستانية داخل كربلاء، إذ تمارس الشعائر كالمجالس الثقافية والعزائية باللغة الأوردية، إلى جانب إقامة الصلاة الجامعة في جميع أوقاتها. 

ويعلق السيد نوزاش قائلا: "لسنا الموكب الباكستاني الوحيد، فهناك العشرات من المواكب الحسينية الباكستانية التي وفدت إلى كربلاء المقدسة للمشاركة في زيارة الأربعين، وأغلبها واجه ما واجهنا أيضا إن لم يكن أكثر منا".


الموكب الهندي

وليس ببعيد عن موقع موكب الكفيل الباكستاني، يظهر وسط مدينة كربلاء موكب باب الحسين عليه السلام الهندي، والذي وفد أعضاؤه من مدينتي دلهي وبومباي.

وتمارس الشعائر الحسينية مثل اللطم والمجالس الثقافية باللغة الهندية، إلى جانب إقامة صلاة جامعة أيضا، فيما يلاحظ تفاعل الكثير من الزوار غير الهنود بالرغم من اختلاف اللغة.  

يقول السيد شمشير حسين خان مسؤول الموكب: "يبلغ عدد الخدم في الموكب أكثر من 200 خادم بين رجال ونساء، وهم ينقسمون في الانتماء ما بين منطقة دلهي وشرق أيمن مدينة مومباي الهنديتين".

ويضيف، "إلى جانب إقامة الشعائر الحسينية الخاصة بزيارة الأربعين يشارك الموكب في تقديم خدمات خاصة أيضا لزوار العتبات المقدسة".

مبينا، "تتضمن الخدمات العلاجات الطبية والعلاج الطبيعي، بالإضافة إلى تقديم الماء والطعام بأنواعه".

ويرى السيد شمشير حسين أنّ مشاركة الموكب تعبير عن تجديد الولاء لأهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم، ويبرز ذلك من طريق الخدمة والعطاء الذي يبذلونه عبر مشاركتهم بهذه "المسيرة الإيمانية التي لا نظير لها في العالم". 

لافتا، "مهما واجهنا من مشقة أو تعب فإنّ نظرة واحدة من زائر تعب من الطريق ودعوة صادقة منه، تكفينا وتشعرنا أننا في الطريق الصحيح".

ويختتم، "هذه الخدمة أصبحت جزءًا من هويتنا ورسالة نتناقلها من جيل إلى جيل".


الموكب الإفريقي 

وليس ببعيد عن الموكب الهندي يطل في أحد شوارع مدينة كربلاء القديمة موكب وفد من عمق القارة الإفريقية، قادما من سواحل المحيط الأطلسي.

وبحسب القائمين على موكب فاطمة الزهراء عليها السلام، لم يكن نصيبهم أقل جهدا ومشقة مما تكبد الأخوة القادمون من شبه القارة الهندية.

يقول إبراهيم خيري من إفريقيا كفيل موكب فاطمة الزهراء عليها السلام: "منذ أربع سنوات ونحن نشارك في إحياء زيارة الأربعين الخالدة في مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف على حد سواء".

مبينا، "يبلغ أعداد خدمة الموكب أكثر من خمسين خادما ينتمون إلى دول عدة في القارة الإفريقية مثل نيجيريا، تنزانيا، غانا، إثيوبيا وبعض الدول الأخرى. 

ويضيف، "كربلاء هي القلب النابض لعقيدتنا، والمشاركة في هذه المسيرة هي شرف عظيم لنا، نشعر أنّ أرواحنا تتطهر، وأننا نعيد التواصل مع هويتنا الإسلامية والإنسانية من بوابة الإمام الحسين عليه السلام".

مشيرا، "نلاحظ ترحيبا وحبا كبيرين من الزوار العراقيين الذين يعدّوننا أخوة، والتفاعل معنا مليء بالود والدعاء، كما نبني علاقات جميلة مع الزوار، فاللغة لا تكون حاجزا حين يجمعنا الإمام الحسين عليه السلام".

ويبدى السيد إبراهيم أمانيه المتمثلة في، "أن يأتي العديد من أبناء قارتي إلى كربلاء ليشهدوا على عظمة هذه الزيارة المباركة والتعرف على القيم والمبادئ التي تحملها هذه الزيارة المليونية". 


موكب شيعة أمريكا

وللمؤمنين في الولايات المتحدة الأمريكية نصيب أيضا من هذه الزيارة الضخمة عالميا، إذ حط موكب شيعة أمريكا رحاله على أرض كربلاء المقدسة، قادما من ولاية تكساس في أقصى غرب القارة الأمريكية .

بعض أعضاء الموكب لم يخفوا حجم المتاعب التي تعرضوا لها في رحلته الممتدة على مسافة آلاف الكيلو مترات، دون الخوض بالتفاصيل.

فيقول أحمد الزيرجاوي مسوؤل موكب شيعة أمريكا، "تأسس الموكب في سنة 2020 داخل ولاية تكساس حصرا، وسمي بهذا الاسم محبة بولاية الإمام علي عليه السلام".

ويضيف، "واجهنا الكثير من الصعوبات في القدوم إلى كربلاء، لكننا جئنا إلى كربلاء لنثبت للعالم أنّ شيعة أمير المؤمنين عليه السلام موجودون في كل مكان وثابتون على طريق الحسين ومخلصون لنهجه الخالد". 

مشيرا، "لدينا الكثير من الحسينيات والمجالس التي تقام في أمريكا، ولكن حضورنا إلى كربلاء يحمل طابعا خاصا ونعدّه رسالة نريد أن ننقلها من هذه الأرض الطاهرة إلى العالم أجمع".

مختتما، "رسالتنا أنّ القضية الحسينية حاضرة وأنّ خدام الحسين موجودون في كل مكان وزمان".