image alt

غذاء العقل إلى جانب غذاء الجسد

غذاء العقل إلى جانب غذاء الجسد

محطات ثقافية في مسيرة الأربعين


يقف الدكتور أحمد المسعودي وسط مجموعة رفوف الكتيبات والمنشورات الثقافية مهللا بكل قادم، مبادرًا إلى شرح مضمون كلّ كتيب يقع بصر أحد الزائرين عليه، في مسعى شخصي يهدف لترغيب ذلك الشخص في أخذ نسخة من الكتيب لقراءته والاستفادة من محتواه الثقافي.

وكما يبدو أنّ المسعودي الذي يعمل تدريسيّ في كلية العلوم الإسلامية بجامعة كربلاء، مأخوذا على الدوام بالشرح والتعليم والتدريس، إذ اختار أن يكون أحد العاملين في إحدى المحطات الثقافية التي أنشأتها العتبة العباسية المقدسة في طريق حشود الزائرين المتوجهين سيرًا على الأقدام صوب عتبات كربلاء المقدسة.

إذ يتوجّه ملايين الزوار سيرًا على الأقدام صوب المدينة المقدسة للمشاركة في إحياء زيارة الأربعين الخالدة، في أضخم تجمع بشري سنوي يشهده العالم أجمع.

 يقول المسعودي: "في هذه المحطات كتيبات ومنشورات تحفز الوعي الثقافية على مختلف الأصعدة الإنسانية".

مبينا، "تشمل هذه الكتيبات والمنشورات فقرات تعليمية وثقافية للشؤون التي تختص بالأمور الإسلامية وعقائدها، فضلًا عن التاريخية والتربوية".

ويضيف، "أرى من واجبي أن أحفّز كلّ من يزور المحطة الثقافية على القراءة والتثقف وذلك في توضيح بسيط لمضامين الكتيبات بشكل تشويقي".

مشيرًا، "جميع الكتيبات والمنشورات متاحة مجانا للزوار".

إلى ذلك يبيّن الأستاذ ماهر خالد مسؤول شعبة العلاقات الجامعية والمدرسية التابع لقسم العلاقات العامة في العتبة العباسية المقدسة أنّ مشروع المحطات الثقافية يتضمن واحدًا وخمسين محطة، موزّعة على ثلاثة محاور".

مضيفًا، "محور بغداد – كربلاء يتضمن 10 محطات، ومحور بابل – كربلاء يتضمن 13 محطة، ومحور النجف - كربلاء 28 محطة".

وبحسب السيد ماهر فقد انضم العشرات من طلبة العلوم الدينية والأساتذة الأكاديميين وبعض الشخصيات الثقافية للعمل في تلك المحطات الثقافية بشكل تطوعي.

موضحًا، "تم اختيارهم وفق مجموعة معايير، منها التفوق العلمي والإداري وكذلك المهارات الخاصة وتقديم المعلومات بطريقة مبسطة".

لافتا، "جرى إشراك العاملين في المحطات بمجموعة كورسات ودورات تدريبية لتقديم الورشة الثقافية المختصة".

بدوره يشير علي البدري رئيس قسم الإعلام إلى اشتراك عدد من أقسام العتبة المقدسة في تنظيم الموكب الثقافي.

قائلًا، "يشارك في المحطات الثقافية كلٌّ من قسم الشؤون الفكرية والثقافية، والمجمَع العلمي للقرآن الكريم، وقسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية، وقسم العَلاقات العامّة، وقسم الشؤون الدينية، وقسم التطوير والتنمية المستدامة، ومتحف الكفيل للنفائس والمخطوطات، فضلًا عن دار علوم نهج البلاغة".

ويرى البدري أنّ هذا المشروع الثقافي يمثل ترجمة حقيقية لرؤية العتبة العباسية المقدسة في جعل زيارة الأربعين فرصةً لبناء الإنسان وتطويره وتوسيع مداركه الفكرية والدينية.

مبينا، "القضية الحسينية هي قضية وعي وإصلاح، ومن الواجب أن نُسهم عَبرَ هذه الفعاليات، في ترسيخ مبادئ نهضةالإمام الحسين عليه السلام في عقول الأجيال وقلوبها".

ويضيف، "نسعى إلى أن تكون رسائلنا ميدانية ومباشرة وفعّالة تواكب العصر، لتصل إلى أكبر عدد من الزائرين في الطرق المؤدية إلى محاور مدينة كربلاء".

مختتما، "يأتي هذا المشروع ضمن سلسلة المبادرات الثقافية التي دأبت العتبة العباسية المقدسة على إطلاقها في المناسبات الدينية الكبرى، لا سيما زيارة أربعين الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه".


فقرات توعوية وبرامج تعليمية

إلى ذلك يبيّن الدكتور أحمد المسعودي أنّ المحطات تقدّم مجموعة من الأنشطة التثقيفية المتنوعة، منها المحاضرات التوعوية والإجابات الفقهية المباشرة وتوزيع كتيبات ومطويات مواد معرفية.

ويضيف، "كما نوفر برامج تفاعلية مثل المسابقات الثقافية والحوارات المفتوحة إلى جانب عرض مقاطع مرئية ورسائل إعلامية قصيرة تواكب احتياجات الزائر وتناسب مختلف الأعمار".

ويشير المسعودي إلى وجود "تفاعل مميز جدا خاصة من فئة الشباب".

مفصلًا حديثه، "كثير من الزائرين يقفون طوعًا للمشاركة أو لطرح أسئلة واستفسارات، نلاحظ شغفا واضحًا بالتعلم والتفاعل".

ويعلّق مختتما، "هذا ما يجعلنا نؤمن أنّ المحطات باتت ضرورة حقيقية لا يمكن الاستغناء عنها".

من جهته يؤكّد الأستاذ ماهر خالد على حرص القائمين على المحطات بأن تكون البرامج شاملة لجميع الأعمار.

قائلًا، "تنوّع أساليب الطرح مهم جدا، فهناك من يتلقّى المعرفة بالقراءة، وآخر بالحوار وثالث بالمشاهد المرئية".

مضيفا، "نحرص على توثيق وتقييم مستمر عن طريق استبيانات مباشرة ومتابعة انطباعات الزائرين وتسجيل عدد المشاركين والمتفاعلين".

ويعرب ماهر عن أمله في توسيع عدد المحطات الثقافية مستقبَلا، لافتا، "نعمل على إدخال تقنيات حديثة كالعروض التفاعلية والواقع الافتراضي ونسعى لإشراك فئات شبابية أكبر في الإعداد والتنفيذ".


استحسان ورضا

في السياق ذاته يبدي الحاج علي امتنانه وشكره للعتبة العباسية المقدسة على إنشاء هذه المحطات الثقافية في طريق السائرين صوب عتبات كربلاء المقدسة .

ويقول: "توقفت عند أحد المحطات للاستراحة وأنا متفاجئ بالتنظيم والرُقي، وبالمواضيع التي خُصّصت لقضية الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام".

ويضيف، "تُقدّم نقاشات دينية وردود على بعض الأسئلة التي كانت تشغلني، وكذلك ردود على الشبهات الفكرية المنتشرة في مواقع التواصل".

مشيرا، "هذا ما يحتاجه الزائر وسط هذا الزخم الكبير من الجدل واللغط الحاصل بسبب الفضاء الإلكتروني".

مبينا، "استفدت من توضيح مسألة الهدف الحقيقي من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، كنت أسمع عنها دائما، لكن شرحهم كان بأسلوب عميق وبسيط".

مشيرا، "لقد مررت بأكثر من محطة ولم تكن أماكن للاستراحة فقط بل كانت محطات وعي حقيقية".

مختتما، "نحن بحاجة لمثل هذه المحطات الثقافية لأنّها تكمل جانبا مهما من الزيارة، فالإمام الحسين خرج من أجل إصلاح الأمّة وهذه المحطات تسهم في إصلاح الفرد وبناء وعيه".

في حين يروي الزائر ياسر الحسيني أنّه لاحظ تجمعًا كبيرًا من الشباب للاشتراك في مسابقة ثقافية.

ويعلق، "شدني الموضوع وبعد انتهاء المسابقة سئلت أحد القائمين على المحطة سؤالًا فقهيًّا كنت أبحث عن إجابته منذ وقت طويل وحصلت على إجابته بطريقة مبسطة".

واصفا ما جرى، "أحسست أنّ المحطة ليست مكانًا ثقافيًّا فقط، وإنما بيئة تحاور وتواصل".

مؤكدًا، "الإنسان لا يحتاج إلى غذاء جسدي فقط في أثناء المسير، بل يحتاج إلى غذاء روحي وفكري".