image alt

بين وحشة الليل ولهيب النهار.. رحلة استثنائية تصل كربلاء

بين وحشة الليل ولهيب النهار.. رحلة استثنائية تصل كربلاء

ما إن وصل الموكب إلى مشارف العاصمة بغداد حتى تعالت أصوات الشكر والحمد لله على السلامة، ولامست مشاعر الاطمئنان أفئدة الجميع، وتنفس الرجال قبل النساء الصعداء.

لقد كانت مسيرة محفوفة بالمخاطر والجهد والمعاناة، خصوصًا أنّها سيرًا على الأقدام وسط صحراء شاسعة.

يقول أبو كيان: "اجتزنا مراحل الخطر وبلغنا ضفاف الأمان، لم يعد هناك حاجة إلى رفقة أمنية".

مخاطبًا أفراد الموكب، "سينسحب فصيل الحماية وسنكمل الطريق إلى كربلاء دون الحاجة لإجهادهم أكثر من ذلك".

فتعلِّق إحدى نساء الموكب، "جزاهم الله خير الجزاء، وأجرهم مدخور عند أبي عبد الله الحسين عليهم السلام".

وعلى الرغم من الارتياح الشديد الذي يظهر على وجوه الرجال والنساء والأطفال، إلّا أنّ مشاعر الحزن بسبب الفراق كانت بادية على الجميع، إذ كانت الأيام العشرة التي قضاها أفراد الموكب وأبناء القوات الأمنية أكثر من مجرد صحبة في رحلة عابرة.

لقد نسجت علاقة محبّة وأخوّة ومصير بين الطرفين، خصوصًا أنّهم كانوا في مواجهة من الخطر في كلّ لحظة، ولكن كتب الله سبحانه لهم سلامة الوصول.

يقول أبو كيان: "عشرة أيام واصلنا الليل بالنهار، كنّا نأكل ونشرب سوية، ونكابد الخطر جميعا على حدّ سواء، بالإضافة إلى تكبدنا عناء هذه الرحلة الطويلة ما بين وحشة الليل ولهيب النهار".

مستدركًا، "لكنّ هذه القوة الأمنية تكبدت عناء السهر على أمننا في وقت كان فيه أغلبنا نائما".

كانت مشارف العاصمة بغداد تكتظ بالحشود الوافدة من بعض مدن شمال العراق، إلى جانب الحشود الكبرى القادمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية التركية وبعض الدول الآسيوية مثل أوزبكستان وأذربيجان وباكستان والهند أيضًا.

فيما تنتشر على جانبي الطرق في العاصمة، وحتى الوصول إلى مدينة كربلاء المقدسة آلاف المواكب الخدمية التي توفر أماكن الاستراحة والمنام، وتوفر أيضا الطعام والشراب وبعض الخدمات الصحية والطبية.

ويفد ملايين الزوار قاصدين عتبات كربلاء المقدسة سيرا على الأقدام للمشاركة في إحياء زيارة الأربعين الخالدة، الذكرى السنوية لمرور أربعين يومًا على استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام أجمعين في معركة الطف الشهيرة التي وقعت عام 61 للهجرة.

كان أبو كيان يتولى مسؤولية جسيمة، خصوصًا أنّه كان يشرف على موكب علي الأكبر عليه السلام، إلى جانب أفراد موكب فرسان الهيجاء، الذي انضمّ إليهم من مدينة الموصل.

كانت هذه الرحلة الاستثنائية تقضي التوجه من مدينة تلعفر أقصى شمال غربي العراق صوب عتبات كربلاء المقدسة للمشاركة في زيارة الأربعين، إذ يتعين على أفراد موكبه السير على الأقدام مسافة أكثر من 600 كيلو متر.

حيث يجتاز الموكب خمس محافظات ليصل إلى كربلاء المقدسة، ابتداءً من محافظة نينوى وكركوك وديالى والعاصمة العراقية بغداد وأخيرا محافظة بابل.

فيما بلغ عدد المشاركين في هذه المسيرة 550 شخصًا، من مختلف الأعمار والفئات.

يقول أبو كيان: "اضطررنا إلى حمل الماء والطعام والفراش طيلة الرحلة؛ كون طريقنا صحراوي وخالٍ من الخدمات".

مبينا، "الطريق من تلعفر وحتى العاصمة بغداد خالٍ من المواكب الحسينية، على العكس من الطرق المؤدية إلى كربلاء المقدسة".

ويضيف، "جميع الطرق في جنوب ووسط العراق تتواجد فيها المواكب الحسينية التي تخدم الزوار، على العكس من الطريق الذي نسلكه".

كانت ظروف المسير تجبرنا على تجنّب المشي ليلًا؛ بسبب محاذير أمنية، مما اضطرهم المسير فقط في أثناء النهار على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة وأشعة الشمس الحارقة.

يقول السيد قحطان جاسم جعفر مسؤول موكب فرسان الهيجاء: "كنّا نبدد وحشة الليل بإقامة مجالس العزاء".

مبينًا، "انضم إلى الموكب القارئينِ: الملا رضا التركماني، والقارئ الملا مازن السيلاوي".

ونظرًا لخطورة الأمر خُصصت منذ اللحظات الأولى لانطلاق الموكب قوة أمنية ترافقه؛ حرصًا على سلامة أفراده.

جميع أفراد الموكب أبدوا تحديًّا في مواجهة الصعوبات، مُتحلّين بروح معنوية عالية، يقول أحدهم: "الولاء للإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام هو الوقود الذي يدفعنا لمواصلة التحدي".

ويعلّق قحطان جاسم، "يُقال أنّ الأجر على قدر المشقة، ونأمل من الله الأجر والثواب على قدر معاناتنا، وأن يكون الإمام الحسين عليه السلام شفيعًا لنا في يوم الآخرة".

ويختتم، "هذه المرة السادسة التي نُوَفّق فيها للمشاركة في إحياء الزيارة بهذا الشكل، نسأل الله أن يكتب لنا السير للسنة السابعة".