
أكثر من شهرين وما تزال السواعد السمراء منهمكة في نشر مشبكات تظليل الشوارع، غير مبالية بدرجات الحرارة المرتفعة أو أشعة الشمس اللاهبة، يشدون العزم لتخفيف ذلك اللهيب على القادمين إلى مدينتهم.
فمدينة كربلاء الغافية على أطراف السهل الرسوبي ومطلة على حدود بادية العراق الغربية، على موعد مع حشود مليونية تقصدها من كل حدب وصوب، مع كل اقتراب لشهر صفر الخير القادم الذي يضم موسم زيارة الأربعين المخلدة.
وتعد هذه الزيارة من أضخم التجمعات البشرية حول العالم عموماً، وأضخمها على الإطلاق سنوياً، إلى جانب ما تحمله من قدسية كبرى لدى المسلمين الشيعة.
فعلى مدار أربع عشرة ساعة يومياً ينهمك أفراد شعبة الأعمال الإنشائية بقسم الصيانة والإنشاءات الهندسية التابع لعتبة العباسية المقدسة في نشر مشبكات التظليل الشمسي فوق الطرق والممرات والساحات المؤدية والمحيطة بمرقد أبي الفضل العباس عليه السلام وذلك خلال موسم الصيف.
يقول مسؤول الشعبة المهندس كرار بريهي، "نسعى إلى تغطية جميع الشوارع المحيطة ضمن المدينة القديمة والشوارع المؤدية إليها من الشمال والجنوب والشرق".
مبيناً، "الأعمال مستمرة على قدم وساق ونعمل على مشروع التظليل الشمسي في نطاق أوسع وأكبر من الذي تم تحديده ضمن الخطة المرسومة".
ويتابع، "نعمل على شمول المناطق المحيطة بالمواكب والحسينيات في أي منطقة وفق الطلبات التي تصلنا من أصحابها".
وبادرت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة إلى نشر آلاف القطع من مشبكات تظليل الشوارع في سماء المدينة، وتحديداً في الشوارع والأزقة والساحات التي يقطعها الزائرون للوصول إلى المراقد الشريفة.
وجاءت هذه المبادرة لحماية الزائرين من لهيب أشعة الشمس، خصوصاً إن زيارة الأربعين منذ سنوات ومواسمه القادمة - ربما الى سنتين أو ثلاثة - ستكون في موسم الصيف اللاهب، وهو من بين الأكثر والأشهر ارتفاعاً في درجات الحرارة على مستوى العالم.
وتأتي هذه البادرة من إدارة العتبات المقدسة في سياق توفير مستلزمات الأمن والسلامة للحشود المليونية المقبلة على المدينة.
إذ تتضافر جهود العتبات المقدسة في المدينة والسلطات المحلية والفعاليات الشعبية لتنظيم سير تلك المناسبة وتوفير أفضل سبل الراحة المشفوعة بمختلف أنواع الخدمات ومستلزمات الأمن والسلامة للمشاركين في هذه الزيارة.
ويقطع معظم المشاركين في هذه الزيارة مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام صوب مدينة كربلاء المقدسة التي تحتضن المراقد المطهرة لشهداء معركة الطف الشهيرة.
ويبدي أهالي المدينة وزوارها ارتياحهم لهذا المشروع العملي كما وصفوه، مبدين ثناءهم على مشاريع العتبة العباسية المقدسة.
فيقول أحمد مرتضى أحد سكان كربلاء، أن "هذا المشروع جاء بعقلية بنّاءة وعملية لم يكن لها سابقة قبل هذا الحين".
مبيناً، "إنها فكرة استثنائية ستسهم بشكل كبير في سلامة الزوار وأهالي المدينة على حد سواء من الإصابة بضربات الشمس أو الاجهاد بسبب ارتفاع درجات الحرارة خصوصاً أيام الزيارة الأربعينية".
ويضيف، "كان من الصعوبة التجول خلال ساعات النهار في شوارع المدينة بسبب أشعة الشمس اللاهبة خلال هذه الفترة، أما الآن فنحن نتجول بأريحية وأمان".
ويتفق جلال الخالدي الوافد من مدينة الديوانية مع مرتضى في الرأي، معلقاً، "لطالما كانت العتبات المقدسة في كربلاء سباقة في أفكارها التي تصب بخدمة وراحة الزائرين".
ويضيف، "هذه مبادرة جبارة ويجب الإشارة لها بالبنان فهي ستعمل على حماية ملايين الزوار من ضربات الشمس أو الإعياء بسبب درجات الحرارة".
ويشترك في هذا المشروع - الذي يطلق المنفذون فيه على مشبكات تظليل الشوارع تسمية "الساران" - أكثر من خمسة وعشرين مختصاً، معززين بآليات ومعدات خاصة.
وتحجب شِباك التظليل ما نسبته 60% من أشعة الشمس مما يسهم بتلطيف النافذة منها إلى الأرض، فتساهم في تحسين الطقس وتقليل درجات الحرارة بمعدل يتراوح بين 6- 8 درجات.
فيقول مدير الشعبة، "يستعين الملاك الفني بمعدات خاصة بالمشروع، مثل مركبات الرفع ومعدات سحب الأسلاك وعجلات نقل وتفريغ ونشر مشبكات تظليل الشوارع".
ويضيف، "هذه المشبكات ذات منشأ رصين وتتميز بالمتانة والجدوى الفعلية في حجب أكبر قدر من اشعة الشمس".
وإلى جانب الحد من أشعة الشمس التي يتعرض لها المشاركون في الزيارة، تسهم هذه المشبكات في خفض درجات الحرارة في المدينة.
فيشير المهندس بريهي إلى أن "المناطق المظللة تتمتع بانخفاض يصل إلى عشر درجات مئوية عن المناطق المكشوفة".
وكانت الفرق الهندسية في العتبة المقدسة قد نشرت مئات المرشات المائية (الرذاذ) على جانب الطرق في المدينة.
ويسعى فريق العمل إلى تغطية ما مساحته خمسون ألف متر مربع ضمن المناطق المحيطة بالحرم، إلى جانب المساحات التي يتقدم بطلب تغطيتها بعض أصحاب المواكب والحسينيات.